في نافذةٍ من الوقت الحر الممتدة لـ 48 ساعة مع كل عطلة في نهاية الأسبوع، يبدأ أغلبنا بالشعور بالراحة والاسترخاء لبعض الوقت، ثم نخطط لعدد من المهام والالتزامات، ولكن ما نلبث أن نكتفي بمشاهدة عدد من حلقات مسلسلنا المفضل ولا نفارق الأريكة إلى أن تنتهي العطلة.
حينها نبدأ في الشعور بالضيق والتوتر والذنب لعدم استثمار الوقت بشكل جيد، قبل أن تتكرر الدائرة في الأسبوع التالي. إنها ببساطة “متلازمة قلق العطلة الأسبوعية”.
الارتباك من تعدد الخيارات
الفكرة الأساسية هي أن وجود الكثير من الخيارات يدفعنا للشعور بالارتباك والعجز، ونصبح غير قادرين على الاختيار بين كل الإمكانات المتاحة. بداية من التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء، أو إدارة وتدبير المهام الحياتية، أو رعاية الذات وممارسة الرياضة والترويح عن النفس والاسترخاء.
ونشعر بأن كل تلك الخيارات من المفترض أن تتم في عطلة نهاية الأسبوع، لكننا على الأغلب نتكاسل ونشعر بالضيق من مسؤولية اتخاذ قرار البدء في تلك النشاطات، فنبدأ في “الترويح السلبي” عن أنفسنا من خلال الاكتفاء بالجلوس على الأريكة أمام الشاشات.
تقول كاثرين ماديغان، أخصائية علم النفس الإكلينيكي: يبدو أن متلازمة القلق في عطلة نهاية الأسبوع هي قلقٌ مرتبط بالفشل المتكرِّر في فعل كل ما تريد القيام به أو تشعر بأنه يجب عليك القيام به في عطلة نهاية الأسبوع.
أثر جانبي لنمط الحياة الحديث
يوضِّح عالم النفس الإكلينيكي لوك مارتن أن متلازمة العطلة الأسبوعية قد تكون أحد الآثار الجانبية للحياة الحديثة في العصر الحالي. فـ”نحن نعاني من ضيق الوقت، وهناك الكثير من الضغط على أعصابنا لجعل عطلات نهاية الأسبوع مناسبة لنا وكافية للمهام”.
فعلى وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، يعيش الجميع حياة مثالية ومشغولة وغنية بالإنجازات، لذلك من السهل اعتقاد أننا نعاني من خطب ما إذا لم تكن حياتنا مثلهم.
وكثيراً ما نقارن أنفسنا بالآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ونتابع ما يصوروه من مهام وإنجازات يومية، فنشعُر بأن إنجازاتنا لا ترقى إلى المستوى المطلوب للناس من حولنا. وبالتالي يبدأ الجسم في الاعتراض على تلك المشاعر ما يسبب لنا القلق ومشاعر الحزن والذنب.
ومن أعراض الاضطراب الشعور بالحنق والتوتر وسرعة الغضب، واضطرابات المعدة والصداع المتكرر، واضطرابات النوم سواء بالإفراط فيه أو عدم النوم لفترات كافية خلال الليل.
خيارات أقل = قرارات أقل = متعة أكبر!
بدء التعامل مع تلك المتلازمة يبدأ من خطوة إدارة التوقعات والحرص على التخطيط بواقعية دون المبالغة في تحديد المهام التي نريد إنجازها في عطلة نهاية الأسبوع، وذلك لتحقيق المزيد من مشاعر الرضا والقناعة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ويتم الأمر من خلال تحديد خيارات أقل، ما يعني اتخاذ قرارات أقل، وبالتالي تكون العملية برمتها أبسط وأمتع. بهذه الطريقة يتم التقليل من آثار أزمة متلازمة قلق العطلة الأسبوعية التي نعانيها بسبب “معضلة الاختيار“، وهي النظرية التي ابتكرها عالم النفس الأمريكي باري شوارتز وتقول إنه كلما تزايدت الخيارات وتقاربت نتائجها بالنسبة لنا، كلما كان اتخاذ القرار حيالها أصعب، ما يسبب لنا اضطرابات القلق والاكتئاب والشعور بالدونية بالمقارنة بالآخرين.
اضطرابات القلق والرضا المشروط عن الذات
يوضح أخصائي الاستشارات النفسية بيتر كلاين أن الأمر في مجمله يتعلق بالتوتر، حيث تكافح أدمغتنا المرهقة للعمل والمعاناة حتى عندما يكون من المتاح لنا الاكتفاء بالراحة.
يقول كلاين إن “العديد من المرضى الذين رآهم يصابون بالشلل في أوقات فراغهم وينتهي بهم الأمر بعدم القيام بأي شيء”. يكمُن خطر ذلك الأمر بسبب قيام الكثيرين بربط تقديرهم لذواتهم في هذه الأيام وفقاً للقدر الذي يحققونه من إنجاز المهام ومقدار انشغالهم خلال اليوم، ما يعني أن لديهم ما يسمى “تقدير الذات المشروط”.
ويضيف أن مثل هذا الضغط قادر على أن يجعل الناس يرغبون في العثور على إجابة مثالية لما يجب عليهم فعله في أوقات فراغهم للشعور بالرضا، وهو بدوره ما يجعل بلوغ الرضا أمراً شبه مستحيل.
غياب عوامل العقاب والمكافأة
وتقول أخصائية الاستشارات الذاتية في بريطانيا نادية رفيق لمجلة Metro، إن هذه المشكلة تواجه الكثير من عملائها، وهي تعتقد أن هناك تفسيراً علمياً قوياً وراء ذلك.
وتوضح رفيق أنّ الدوافع لدينا تنبع من إطلاق هرمون الدوبامين في الدماغ. ويرتفع مستوى الدوبامين عندما نتوقع حدوث شيء جيد أو نتجنب شيئاً سيئاً. هذه المعادلة تحدث دوماً خلال العمل، إذا أنجزنا هذا المشروع في الوقت المحدد، سنحقق رضا العميل. إذا قمنا بعمل إضافي، فسوف نحصل على ترقية، وهكذا.
لكن مع أوقات الفراغ، يصعب على دماغنا تحديد المكافأة، وبالتالي يتم إطلاق كمية أقل من الدوبامين، ما يعني أن هناك دافعاً أقل للقيام بالأشياء التي نريدها ونحتاجها.
نحن كبشر نحتاج إلى المساءلة وتحديد معادلة المكافأة والعقاب لكي نعمل. ومن الطبيعي أن نعمل دائماً بجهدٍ أكبر قليلاً عندما يراقبنا شخص آخر.
هذا هو السبب في أن الكثير من الناس يميلون إلى أن يكونوا فعالين للغاية في بيئة العمل المكتبية بعكس العمل من المنزل.
ونادراً ما يكون لديك شخص يحاسبك على كل الأشياء التي تريد القيام بها في أوقات فراغك، لذلك قد يكون الحل فقط هو في الاستعانة بشخص قريب منا لكي نتبادل معه أدوار الرقابة والمتابعة لتحقيق روتين وقتنا الحر وأيام العطلات.
قاوم تكرار الحلقة
في البدء علينا أن نكون واقعيين، فلا أحد يمضي عطلته الأسبوعية في بناء الملاجئ للأيتام أو ممارسة القفز بالمظلة واستكشاف الأدغال. والغاية الحقيقية من الاستمتاع بالعطلة يتعلق بتحقيق التوازن الصحيح.
أحيانًا ستكون عطلات نهاية الأسبوع مشغولة وحافلة، وفي أحيان أخرى ستكون هادئة ورتيبة؛ هذا هو النمط الطبيعي والواقعي بعيداً عما قد ينشره بعض المؤثرين على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
المهم فقط هو استخدام وقت الراحة لإعادة شحن طاقتك بالطريقة التي ترضيك والاستعداد لبدء الأسبوع الجديد.
شلل العطلة الأسبوعية ليس مرضاً عضالاً، ويمكن التغلُّب عليها من خلال روتين واعٍ للمهام التي يتعين فعلها. وبمجرد التخطيط بوعي وواقعية، سيكون الاستمتاع بالعطلة أقرب للتحقيق.