ماذا سيحدث لو توقفت الأرض عن الدوران؟ قد يبدو الأمر غير قابل للتحقيق، ولكن لو افترضنا أن قوة فيزيائية ما أو حتى كائنات فضائية تمكنت من إيقافها، فما الذي سيحل بها ومن عليها؟
يمثل دوران الكوكب أساس بعض العمليات الأساسية الفيزيائية على الأرض. في الواقع، ربما لن نكون أحياء لو كانت الأرض كوكباً ثابتاً.
إذا توقفت الأرض عن الدوران دفعة واحدة، فسيكون ذلك كارثياً للغاية على معظم سطح الكوكب.
على الرغم من أننا لا نشعر بحركة الأرض، فإننا نتحرك جميعاً مع الكوكب أثناء دورانه؛ وعند خط الاستواء، تصل السرعة إلى نحو 1610 كم في الساعة.
ماذا لو توقفت الأرض عن الدوران؟
لذا، لو توقف الكوكب فجأة، فكل شيء على سطح الأرض سيطير باتجاه الشرق. ولتقريب الصورة، تخيل توقف السيارة التي تقودها بسرعة فجأة ودون أي مقدمات، ما الذي سيحصل بمن في داخلها؟
لذا، يمكنك ببساطةٍ تخيل أن الناس والمنازل والمباني والأشجار والصخور يتم إطلاقها بشكل جانبي بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة.
في أعقاب ذلك، فإن الرياح عالية السرعة، التي لا تزال تدور بسرعة الكوكب نفسها تقريباً، سوف تجوب السطح وتكمل على ما تبقى منه.
إذا حدث التوقف بشكل تدريجي ومتباطئ، فستظل التأثيرات دراماتيكية، لكنها ستتكشف على فترة زمنية أطول.
الليل والنهار
أول شيء قد نلاحظه هو أن الشمس لم تعد تنتقل عبر السماء على مدار اليوم.
تأتي الحركة الظاهرة للشمس من دوران الأرض، لذلك إذا كان الكوكب ثابتاً، فسيؤدي ذلك إلى أن يستمر يوماً واحداً لمدة نصف عام (على الرغم من أننا سنشهد ليلاً طويل الأمد في الجهة المقابلة).
وبلا نظام الـ24 ساعة الذي اعتدناه، فإن إيقاعات الساعة البيولوجية سوف تتلاشى تماماً.
تعتمد العمليات الخلوية الإيقاعية التي تخبر أجسامنا متى ننام ومتى نستيقظ جزئياً على التغيرات المنتظمة في ضوء الشمس.
وتعتمد العديد من الكائنات على الأرض، من النحل إلى الأشجار، على إيقاعات الساعة البيولوجية لتكمل حياتها.
قد يؤدي تغيير هذه الدورات إلى قلب أنماط السلوك الطبيعي، حسب ما توقعه موقع مجلة Discover.
الغلاف الجوي
ترتبط أنماط الغلاف الجوي على الأرض أيضاً بدوران الكوكب، وإذا توقف الكوكب عن الدوران، فإنه سيغير بشكل كبيرٍ الطريقة التي تتحرك بها التيارات الهوائية (بمجرد أن تهدأ الرياح التي تبلغ 1600 كم في الساعة).
تلعب أنماط الرياح التي نراها اليوم دوراً مهماً في زيادة هطول الأمطار ودرجات الحرارة حول العالم.
قد تؤدي أي تغييرات في التيارات الهوائية إلى ازدهار الصحاري حيث توجد الغابات حالياً، أو أن تصبح التندرا المجمدة صالحة للسكن.
ولأن الاحتباس الحراري يقدم سيناريو مشابهاً إلى حد ما لناحية تغير الظروف المناخية، وإن كان على نطاق أصغر بكثير، فلنا أن نتخيل النتائج الكارثية بالنسبة للكائنات الحية التي تعتمد على بيئات معينة، والتي تصارع للبقاء على قيد الحياة في ظل التغير المناخي.
نهاية الأعاصير
كما أن عدم دوران الأرض يعني نهاية الأعاصير، إذ يتم إنشاء العواصف الدوارة الهائلة بواسطة قوى كوريوليس الناتجة عن دوران الكوكب.
تُسحب الرياح في منطقة الضغط المنخفض لعاصفة متنامية بعكس اتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وفي اتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي، مما يؤدي إلى ظهور الخطوط الحلزونية والعين المركزية التي تحدد الإعصار.
هذه العملية هي أحد الأسباب التي تجعل العواصف تنمو بقوة، لذا قد يكون استبعادها أحد الفوائد النادرة لوقف دوران الكوكب.
المجال المغناطيسي
لكن من المحتمل أيضاً أن يعني الكوكب غير المتحرك نهاية المجال المغناطيسي.
ورغم أن العلماء لا يزالون غير متأكدين بشأن الآليات الدقيقة للمجال المغناطيسي، فإنهم يفسرون وجوده نتيجة حركات نواة المعدن السائل للأرض.
يسمي العلماء هذا بالدينامو، والنتيجة النهائية هي شبكة من خطوط المجال المغناطيسي غير المرئية تتقوس حول الكوكب.
وبالتالي، ستكون تأثيرات فقدان هذا المجال أسوأ بكثير من مجرد عدم القدرة على التنقل بالبوصلة.
يحمينا المجال المغناطيسي للأرض من الأشعة الكونية والعواصف الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس، من بين أمور أخرى.
إنه بالتأكيد شيء يحتاجه كوكب الأرض.
تغيير مكان القارات
إذا تباطأت حركة الأرض على مدى عدة سنوات، وبدون قوة الطرد المركزي، فستتحرك المحيطات نحو القطبين، مما يؤدي إلى انخفاض عمق المحيط بمقدار 8 كيلومترات حول خط الاستواء.
ونظراً إلى أن هذا العمق أقل من عمق المحيط هناك، سيتم تقسيم مياه الأرض إلى محيطين قطبيين كبيرين يفصل بينهما حزام من اليابسة في المنتصف.
سيكون كل شيء شمال إسبانيا تحت الماء، وكذلك القارة القطبية الجنوبية بأكملها، بحسب ما نشره موقع Science Focus.
كواكب اليوم الأبدي
لا توجد حتى الآن أي كواكب لا تدور على الإطلاق، أو على الأقل بحسب ما توصل إليه العلماء.
تؤدي العمليات التي تشكل الكواكب والأجرام السماوية الأخرى بشكل طبيعي إلى الدوران، ما يعني أن جميع العوالم تدور منذ البداية.
ولكن هناك بعض الكواكب التي يبدو أنها لا تدور، وهو ما يشير إليه علماء الفلك على أنه قفل المد والجزر.
هذه عوالم تظهر الوجه نفسه لنجمها في جميع الأوقات، مما ينتج عنه جوانب دائمة إما ليلاً وإما نهاراً.
وتؤدي تفاعلات الجاذبية بين الكواكب ونجومها إلى إبطاء معدل دوران الكوكب تدريجياً حتى يتطابق تماماً مع الفترة المدارية.
والقمر مثال جيد لانغلاق المد والجزر، لذا لا نرى سوى جانب واحد منه، بغض النظر عن مكانه في السماء أو المرحلة التي يمر بها، لأنه منغلق على الأرض.
من المحتمل أن يحدث الموقف نفسه على العديد من الكواكب الخارجية، خاصةً تلك القريبة من نجومها حيث تكون الجاذبية أقوى.
على الرغم من أن هذه الكواكب قد تبدو وكأنها أماكن متطرفة- جليدية من جهة وحارة جداً من الجهة الأخرى- فقد اقترح بعض العلماء أن الحياة قد تجد طريقاً لها حتى في أقسى البيئات.
ويعتقد بعض علماء الفلك أن الحياة قد تزدهر على هذه الكواكب الثابتة وتحديداً في منطقة الشفق، أي بالقرب من المكان الذي يتحول فيه النهار إلى الليل.
كما وضع آخرون نظرية، مفادها أن دوران الغلاف الجوي قد يحافظ على حرارة بعض العوالم الثابتة، إذا كان من الممكن نشر حرارة كافية حول الكوكب بكفاءة.
ولكن، لا يتوقع العلماء توقف الأرض عن الدوران، وعلى الرغم من أن دوران كوكبنا يتباطأ بشكل طفيف جداً (يزداد طول اليوم بنحو 1.7 ملي ثانية كل قرن)، فلا يعني هذا أن يتوقف الكوكب عن الدوران تماماً.