ما إن ينشغل الآباء لوهلة، حتى يسمعوا صوت تحطم شيء ما في الخلفية، هو ليس زلزالاً ولكنه طفل صغير يوجّه طاقته إلى تدمير الأشياء من حوله بلا مقدمات. يعتبر تكسير الألعاب ومقتنيات المنزل أو الكتابة على الوسائد والجدران أو حتى الصراخ دون سبب واضح، من الأفعال المعتادة لدى معظم الأطفال. لكن هناك درجة من نزعة العنف والتدمير والعدوانية سببها أبعد من مجرد رغبة الطفل في اللعب والاستكشاف.
في حقيقة الأمر يلجأ الأطفال إلى هذا السلوك كوسيلة للتعبير وليس بغرض توجيه الأذى والإزعاج. لأن الأطفال لا يمكنهم التعامل مع الإحباط والمشاعر المعقدة، يكون تدمير الأشياء نوعاً من التحرر الذي يجعلهم يشعرون بتحسن ولو لفترة وجيزة.
وبحسب تقرير نشرته مجلة Child Mind المعنية بسلوكيات الأطفال وعلوم التربية، إذا لم ينتبه الآباء مبكراً ويتعاملوا بجدية مع الأمر، قد يؤدي السلوك التخريبي إلى عواقب وخيمة للطفل خلال مرحلة البلوغ وحتى بعد وصوله لسن الرشد.
الخطوة الأولى: معرفة دوافع الطفل
يشير موقع Empowering Parents التربوي، إلى ضرورة معرفة أن الأطفال لا يستطيعون تحمل مشاعر الإحباط أولاً، وبالتالي عندما يحدث شيء غير متوقع أو مخيب للآمال أو يتطلب منهم استخدام مهارات للتأقلم، يواجهون صعوبة في التعامل بفاعلية، وبالتالي تحدث نوبات الغضب والتخريب لأنهم لم يكتسبوا بعد المهارات اللازمة للتعامل مع التوتر الذي يعانون منه.
ويساعد إطلاق تلك الطاقة جسدياً على تخفيف معاناتهم لبعض الوقت، قبل أن يتكرر في دورة جديدة إذا تواصلت المثيرات نفسها. وهو النمط السلوكي الذي يمكن ملاحظته بشكل خاص لدى الأطفال الذين يعانون من حالات فرط الحركة وضعف التركيز وتشتت الانتباه ADHD أو اضطرابات المزاج.
الإحباط والرغبة في تحقيق الأهداف
تحدي الآباء الأهم في تلك المرحلة هو مساعدة الطفل على إدارة سلوكه بشكل أفضل وفهم سبب قيامه بما يفعله. فالنوبات المتكررة- التي يسميها الأطباء “عدم التنظيم العاطفي“، يسهل تسميتها جزافاً بنوبات الغضب أو العدائية، لكن في كثير من الحالات ينبع السلوك العنيف والتخريبي من القلق أو الإحباط الذي قد لا يكون واضحاً للآباء أو المعلمين.
لذلك من الضروري فهم السبب الحقيقي وراء مشاكل سلوك الطفل من أجل التعامل معها بشكل فعال، ويكون بداية ذلك عن طريق الحوار ومحاولة شرح المشاعر للطفل للاختيار من بينها للتعبير عما يشعر به فعلاً خلال هذه اللحظة.
كما يمكن أن تنبع السلوكيات التخريبية من دافع قوي آخر لدى الطفل، وهو التخويف والابتزاز لتحقيق الأهداف؛ فقد يتعلم الطفل أنه من خلال كسر الأشياء وإحداث ثقوب في الجدار بالمطرقة والصراخ بشكل متواصل، يمكن أن يخيف أحد الوالدين للقيام بما يريد. وتتعزز تلك النزعة عند استجابة الوالدين لها، لأنه بذلك يتم إعطاء الطفل إحساساً بالسيطرة غالباً ما سيواصل استخدامه فيما بعد لتحقيق رغباته مهما كانت ضارة وغير ملائمة له.
الشعور بالملل وغياب المراقبة
تقول أخصائية علم التربية الأمريكية جينا إيم، إنها بعد مرورها بتجربة خاصة مع طفلها المشاغب، توصّلت إلى أن سلوكيات الأطفال الصعبة تتفاقم وفقاً لنظرية “إن غاب القط، العب يا فأر”. موضحة أن الطفل غير الخاضع للإشراف غالباً ما سيبتكر في طرق الترفيه عن نفسه، ولهذا السبب فإن الإشراف والمتابعة الدائمة ضروري لتجنب ذلك الانحراف.
كذلك تعد مشاعر الملل من أخطر ما يعانيه الطفل ويدفعه على الأغلب إلى النشاطات المؤذية والتخريبية. وبدلاً من قيام الأطفال بمشاهدة كيف ستنجو القطة إذا ما تم وضعها في المرحاض، يمكن عن طريق وضع برامج وأنشطة لملء وقت الطفل واستثمار طاقاته الجسدية والذهنية، أن يقضي الوقت وهو يكتسب المهارات ويتعلم الأشياء الجديدة.
ولأن لكل فعل رد فعل، تقول إيم إنه يجب تحديد أنواع ملائمة وبناءة من الجزاء للطفل إذا ما بدر منه سلوكيات تخريبية متعمدة. مثلاً إذا تم ضبطه وهو يرسم على الحائط، سيضطر جزاءً لذلك السلوك إلى تنظيف الرسومات بإشراف من والديه، وذلك لتعليمه تحمُّل مسؤولية أفعاله بشكل عملي. وإذا قام بإغراق هاتف أحد الوالدين في كوب من الماء، سيتحتم عليه عدم مشاهدة التلفاز لبضعة أيام كعقاب، وهكذا.
متى يصبح السلوك العدواني مقلقاً؟
بالنظر إلى بعض تشخيصات علم النفس السلوكي المرتبطة بميول الأطفال التخريبية والعنيفة، هناك اضطرابات قد يعاني منها الطفل دون أن ينتبه لها الآباء على اعتبار أنها “ميول عنف أو عدوانية” عابرة ستزول بمرور الوقت.
ومن أبرز تلك الاضطرابات السلوكية المسؤولة عن إثارة هذا النمط من السلوكيات لدى الأطفال:
1- اضطراب التحدي المعارض:
غالباً ما يُعتقد أن الأطفال الذين ينتقدون أو يرفضون اتباع التوجيه يعانون من اضطراب العناد المعارض ODD، والذي يتميز بنمط من السلوك السلبي أو العدائي أو المتحدي. وتشمل أعراضه اضطراب فقدان الطفل لأعصابه بشكل متكرر، كثرة صراخه وسهولة شعوره بالغضب، ومخالفته لأي من النصائح التي يطلبها منه البالغون.
ولتشخيص اضطراب ODD، يجب أن يحدث السلوك التخريبي لمدة ستة أشهر على الأقل بنفس الوتيرة القوية، حينها تجدر استشارة أخصائيي سلوكيات الطفل والتربية.
2- اضطرابات القلق
يواجه الأطفال المصابون باضطرابات القلق صعوبة كبيرة في التأقلم مع المواقف التي تسبب لهم الضيق، لذلك عندما يتم وضع هذا الطفل إزاء موقف ضاغط بالنسبة له أو مثير للقلق، فقد يصبح عدائياً في محاولة منه للتهرب وتجاوز هذا الموقف وتجنب مصدر خوفه الحاد. على سبيل المثال، قد يدمر الطفل المصاب بقلق اجتماعي حاد مقتنيات طفل آخر إذا وجد نفسه في موقف مثير للقلق. كما قد يصاب الأطفال المصابون بالوسواس القهري بالضيق الشديد ويصرخون على والديهم عندما لا يقدمون الطمأنينة المتكررة المستمرة التي يستخدمونها لإدارة مخاوفهم. وهو الاضطراب الذي يستلزم كذلك استشارة المختصين في علم نفس الأطفال.
وحول ذلك تقول خبيرة سلوكيات الأطفال والطبيبة الأمريكية لورا براغر، إن “القلق هو أحد المؤشرات الأخطر وذلك لأنه قد يتم التعبير عنه بسلوكيات أخرى لا تشير إليه أبداً”.
وتوضح براغر: “يمكن أن يبدو قلق الطفل في هيئة أشياء عديدة أخرى كالخجل أو العنف أو نوبات الغضب، خاصة مع الأطفال الذين لا يمتلكون كلمات للتعبير عن مشاعرهم أو لأنه لا أحد يستمع إليهم كما ينبغي، لذلك يظهرون قلقهم في صورة خلل سلوكي”.
3- اضطراب فرط الحركة وضعف الانتباه ADHD
في دراسة أجرتها الدكتورة آمي روي من جامعة فوردهام، اتضح أن أكثر من 75% من الأطفال الذين يعانون من نوبات شديدة من الغضب تنطبق عليهم أيضاً معايير اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. هذا لا يعني بالضرورة أنه تم تشخيصهم بالاضطراب، ولكن عانى الأطفال من مؤشرات أخرى لهذا الاضطراب، وهو ما يستلزم التدخل لتدريبهم سلوكياً ونفسياً للتعامل بشكل طبيعي مع المجريات من حولهم. ويوضح أخصائي علم النفس السريري فاسكو لوبيز: “ما لا يفهمه الناس هو أن قلة التركيز وعدم القدرة على إكمال العمل أو تحمل مشاعر الملل تأتي من بين أعراض أخرى مهمة، وهي إذا اجتمعت عند الطفل تسهم بشكل كبير في إظهار نوبات العصبية والتخريب والعنف”.
4- اضطرابات صعوبة التعلم
عندما يتصرف الطفل بعنف بصورة متكررة في المدرسة، فمن المحتمل أن يكون السلوك ناتجاً عن اضطراب التعلم غير المشخص. لنفترض أن الطفل يعاني من صعوبة بالغة في إتقان مهارات تعلم اللغة والنطق، وكلما حاول المشاركة في الفصل أجاب بشكل خاطئ أو وجد أقرانه يتعلمون بوتيرة مختلفة عنه. قد يسبب هذا الأمر حالة من الإحباط الشديد وسرعة الانفعال لدى الطفل عند أي محاولة لدراسة اللغة أو الذهاب إلى المدرسة.
وتشرح نانسي رابابورت، أستاذة الطب بجامعة هارفارد والمتخصصة في رعاية الصحة العقلية في المدارس: “يمكن للأطفال الذين يعانون من مشاكل التعلم أن يكونوا بارعين في الخداع لأنهم لا يريدون الكشف عن نقاط ضعفهم”، موضحة أن الطفل إذا ما كان يعاني من مشاكل في الكتابة أو الرياضيات أو القراءة، سيقوم بأعمال شغب وعنف مثل تمزيق الكتاب أو الصراخ في معلمته، لتشتيت الحالة والهروب منها، عوضاً عن طلب المساعدة أو الاعتراف بأنه يعاني. لذلك من المحوري من أجل تحديد المشكلة، ملاحظة التوقيت والظروف التي وقع فيها السلوك العدواني في المقام الأول.